الصيادون والفلاحون القدامى كانوا منذ آلاف السنين، أول مَن اكتشف أنّ الفواكه التي تسقط عن أشجارها، وتجف تحت أشعة الشمس، تظل تحتفظ بمذاقها اللذيذ، وبقيمتها الغذائية.
الحصول على الفواكه المجففة يتم بكلّ بساطة عن طريق إخضاع الفواكه الطازجة لعملية تجفيف تزيل عنها معظم كمية الماء الموجودة فيها، إمّا بشكل طبيعي عن طريق تعريضها لأشعة الشمس، أو باستخدام مواد أو أجهزة التجفيف الخاصة. ويعود استهلاك الفواكه المجففة إلى القرن الرابع قبل الميلاد، وكانت ولا تزال تلاقي رواجاً كبيراً بفضل مذاقها الحلو، وقيمتها الغذائية وإمكانية حفظها لوقت طويل. وأكثر الفواكه المجففة انتشاراً في العالم اليوم هو الزبيب، يتبعه التمر، ثمّ الخوخ، التين، المشمش، الدراق، التفاح والإجاص. وتوصف هذه الأنواع بأنّها تقليدية، بمعنى أنّها تخضع للتجفيف تحت أشعة الشمس، أو بالهواء الساخن. أمّا أنواع الفواكه المجففة الأخرى المتوافرة في الأسواق، مثل التوت البري، الكرز، الفراولة، التوت الأزرق، والمانغو فيتم نقعها في مواد تحلية مثل شراب الساكروز قبل تجفيفها.
- القيمة الغذائية: تحتفظ الفواكه المجففة بمعظم المواصفات الغذائية التي تتمتع بها الفواكه الطازجة، لذلك فإنّ أوساط المتخصصين في التغذية تنصح الجميع بتناولها. والفواكه المجففة مثل الطازجة، تتميز بخلوها من الدهون، ودهون ترانس، والدهون المشبعة والكوليستول. وهي تتميز بانخفاض مستويات الصوديوم وارتفاع مستويات البوتاسيوم، ما يسهم في الوقاية من ارتفاع ضغط الدم.
وتعتبر الفواكه المجففة مصدراً مهماً للألياف الغذائية. كذلك فإنّها تمدنا بعناصر مغذية مثل (الفيتامين (A) المشمش والدراق)، (الكالسيوم (التين))، (الفيتامين (K) الخوخ المجفف)، الحديد، النحاس، البورون، السيلينيوم، وجميع هذه العناصر مهمة جدّاً لتعزيز صحّة الدم والعضلات. والفواكه المجففة مفيدة بشكل خاص للأشخاص الذين يعانون فقر الدم، الذين ينصحهم الخبراء بتناول حفنة من الفواكه المجففة المتنوعة يومياً.
إضافة إلى الفيتامينات والأملاح المعدنية والألياف، تمدنا الفواكه المجففة بسلسلة واسعة من المواد الكيميائية النباتية التي تلعب دوراً رئيسياً في تعزيز حالتنا الصحّية ومكافحة عوارض الشيخوخة، وفي التخفيف من خطر الإصابة بالأمراض المنزمنة. وكانت دراسة حديثة أجريت في جامعة ساندييغو الأميركية قد أظهرت أنّ النساء اللواتي يتناولن حفنة من الخوخ المجفف مرتين في اليوم لمدة أسبوعين، ينجحن في رفع مستويات مضادات الأكسدة المقاومة للأمراض لديهنّ بنسبة 10% تقريباً. وأبرز هذه المواد الكيميائية النباتية الموجودة في الفواكه المجففة هي البوليفينولات وأحماض الفينوليك التي يعزو إليها العلماء الكثير من الفوائد الصحّية التي تمنحنا إياها الفواكه والخضار والفواكه المجففة. وتختلف أنواع المواد الكيميائية النباتية هذه باختلاف نوع الفاكهة، لكن جميعها مضادة للأكسدة وتبطل مفعول الجزيئات الحرة التي تلحق الضرر بخلايا الجسم وتسرع شيخوختها. وتحتوي الفواكه المجففة، مثل الخوخ المجفف، على البكتين، وهو نوع من الألياف الغذائية القابلة للذوبان في الماء والذي أظهرت الأبحاث أنّه قد يساعد على خفض مستويات الكوليسترول في الدم. كذلك تعتبر الفواكه المجففة، وخاصة الزبيب، مصدراً مهماً للبريبايوتيكس، وعلى رأسها الإينولين، وهي كبروهيدرات طبيعية شبيهة بالألياف تسهم في الحفاظ على صحّة القولون. وتسهم الأحماض الطبيعية الموجودة في الفواكه المجففة في تسهيل عملية إمتصاص واستخدام الجسم المعادن الموجودة في الأطعمة، لاسيما الحديد والكالسيوم.
1- صحّة العظام:
تسهم الفواكه المجففة، خاصة الخوخ المجفف، في تعزيز صحّة العظام وتقويتها. وقد يعود ذلك إلى عناها بمركّبات الفينوليك، مثل أحماض الفينوليك والليغنانز، التي يمكن أن تحفز عملية تشكل العظام، وتقوي نشاط خلاياها. وقد أظهرت الدراسات التي أجريت على الحيوانات أنّ الخوخ المجفف يقي تراجع كثافة العظام، بل ويوقف انخفاض هذه الكثافة لدى المعرّضين للإصابة بهشاشة العظام. كذلك فإنّها تساعد على إنتاج الكولاجين وعلى إعادة تشكل العظام وزيادة نسبة المعادن فيها. وفي دراسة عيادية أميركية تبيّن أنّ استهلاك النساء بعد سن اليأس 100 غرام من الخوخ المجفف يومياً يعزز نشاط العوامل التي تسهم في تشكيل العظام. ويعتقد العلماء أنّه إضافة إلى الأحماض المذكورة التي تقي العظام، فإنّ الفواكه المجففة تحتوي أيضاً على فيتامين (K) والمعادن الأخرى، مثل البوتاسيوم والبورون، التي يمكن أن تزيد من فوائدها. والخوخ المجفف غني أيضاً بالنحاس الذي يلعب دوراً أساسياً في تشكل الكولاجين والإيلاستين.
2- صحّة الأمعاء:
هناك أبحاث عديدة تؤكد أنّ الفواكه المجففة تلعب دوراً مهماً في تنظيم وظيفة الأمعاء والحفاظ على صحّة الجهاز الهضمي. والخوخ المجفف يشتهر بقدرته على التخفيف من الإمساك. ويعزو العلماء ذلك إلى ارتفاع نسبة الألياف الغذائية فيه، ما يساعد على ليونة الفضلات وزيادة حجمها، ما يساعد على التخلص منها بسرعة وسهولة. إضافة إلى الألياف تقوم أحماض عضوية مثل حمض التارتاريك (موجود في الزبيب) والسوربيتول (موجود في الخوخ) بدعم الألياف الغذائية في وقاية الجهاز الهضمي من الاضطرابات والأمراض. وتشير أبحاث أخرى إلى أنّ الفواكه المجففة غنية أيضاً بالبريبايوتيكس مثل الفروكتان، التي تساعد في الحفاظ على التوازن الجيِّد في البيئة المعوية، على تعزيز صحّة القولون.
3- صحّة الفم:
خلافاً للاعتقاد الشائع أنّ الفواكه المجففة، خاصة الزبيب، قد تسبب تسوس الأسنان، تبيّن أنّ العكس صحيح. فالمواد الطبيعية الفاعلة الموجودة في الفواكه المجففة، لاسيّما الأحماض العضوية، تتمتع بخصائص مضادة للجراثيم، وتكبح نمو الجراثيم المسببة للتسوس ومرض اللثة. فحمض الأولينوليك مثلاً الموجود في الزبيب يحول دون التصاق الجراثيم بسطح الأسنان وتشكيلها طبقة البلاك التي تؤدي مع الوقت إلى نخر الأسنان. وعلى الرغم من حلاوة الزبيب ولزوجته عند مضغه، إلّا أنّه لا يلتصق بسطح الأسنان، بل تتم إزالته بسرعة عنها بواسطة الألعاب. وقد أظهرت الدراسات أنّ الزبيب يختفي تماماً من على سطح الأسنان بعد مرور 5 دقائق فقط على مضغه وابتلاعه. ويعتقد العلماء أنّ ما يصح على الزبيب ينطبق على الفواكه المجففة الأخرى نظراً للتشابه في تركيبتها ومحتوياتها من ألياف. فضلاً عن ذلك، فإنّ الأنواع الرئيسية للسكر الموجودة في الفواكه المجففة التقليدية هي الفراكتوز والغلوكوز، مع القليل جدّاً من الساكروز. والمعروف أنّ هذا الأخير هو الذي يسهم في تشكل طبقة البلاك وتسوس الأسنان ومرض اللثة.
4- توفير نظافة صحّية:
تُعتبر الفواكه المجففة مصدراً صحّياً للطاقة. فهي أفضل بكثير من مشروبات الطاقة والأطعمة الغنية بالسكر التي قد يلجأ إليها الكثيرون، خاصة الرياضيين الذين يحتاجون إلى قدر كبير من الطاقة ويحرقون العديد من الوحدات الحرارية، خاصة أثناء خوض المباريات، للتزود بالطاقة.
5- التحكم في مستويات سكر الدم:
تتمتع الفواكه المجففة التقليدية (التي لا يضاف إليها السكر أثناء تجفيفها) بمؤشر تحلون يتراوح بين المنحفض والمعتدل. ومؤشر تحلون طعام ما يشير إلى الطريقة التي يؤثر فيها هذا الطعام في مستويات سكر الدم عندما نتناوله. فالمؤشر المرتفع (أكثر من 70) يعني أنّ تناول هذا الطعام يؤدي إلى ارتفاع سريع في مستويات سكر الدم. ويعتبر المؤشر معتدلاً إذا تراوح بين 56 و69، ومنخفضاً إذا كان بين 0 و55. وغالباً ما تكون الأطعمة الغنية بالألياف الغذائية، مثل الفواكه المجففة، ذات مؤشر تحلون منخفض. كذلك تلعب الأحماض العضوية والكربوهيدرات والسكر الموجودة في الأطعمة دوراً في تحديد مؤشر تحلون كلّ منها. وتشير الدراسات إلى أنّ مؤشر تحلون الفواكه المجففة يتراوح بين المنخفض والمعتدل، وأنّ تناولها لا يؤدي إلى إفراز أو إنتاج البنكرياس كميات كبيرة من الأنسولين، نتيجة تناول أطعمة ذات مؤشر تحلون مرتفع، يؤدي إلى انخفاض سريع في مستويات سكر الدم، وإلى الإحساس بتوق شديد إلى تناول المزيد من السكر. والتقلبات المتكررة في مستويات سكر الدم تلحق أضراراً كبيرة بالصحّة، وتزيد من إمكانية الإصابة بالسكري وبالسمنة.
6- التحكم في الوزن:
يمكن للفواكه المجففة أن تساعد في الحفاظ على وزن صحّي. فتناول هذه الفواكه لا يرتبط بزيادة الوزن، بل على العكس، فقد تبيّن في دراسات إحصائية أنّ تناولها يرتبط بمؤشر كتلة جسم منخفض. وتبيّن أنّ نسبة السمنة في منطقة البطن لدى الأشخاص الذين يأكلون الفواكه المجففة بانتظام، تكون أكثر تدنياً مما هي عليه لدى الآخرين الذين لا يأكلونها. كذلك فإنّ الفواكه المجففة تساعد على تعزيز الإحساس بالشبع عن طريق التأثير في مستويات الهرمونات التي تتحكم في الشهية مثل اللبتين.
7- تحسين الحالة الصحّية العامة:
يسهم إدخال الفواكه المجففة في نظامنا الغذائي في تحسينه، فهي تمدنا بالعديد من العناصر المغذية المفيدة. وهي مثل أنواعها الطازجة تساعد على وقايتنا من الأمراض. وكانت الدراسات العلمية الإحصائية قد أظهرت أنّ نسبة الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، البدانة، العديد من أشكال السرطان، السكري والأمراض المزمنة الأخرى، تكون أكثر انخفاضاً لدى الأشخاص الذين يأكلون بانتظام كمية وافرة من الفواكه المختلفة. وتساعد سهولة إدخال الفواكه المجففة في الوصفات المختلفة، وانخفاض سعرها نسبياً، في جعلها بديلاً صحّياً للكثير من المنتجات الغذائية الغنية بالسكر وبالدهون، مثل البسكويت وألواح الشوكولاتة.
- اختيار الأنواع الطبيعية العضوية: تتميز الفواكه المجففة بكونها أطعمة آمنة وصحّية. فعملية التجفيف والحرارة المستخدمة فيها، والتوازن الحمضي – القلوي الذي تتميز به، وانخفاض نسبة الرطوبة فيها، واحتواؤها على مواد طبيعية مضادة للجراثيم، كلّ ذلك يجعل منها طعاماً مميزاً من حيث درجة الأمان. ولم يسبق لأحد أن أصيب باضطراب هضمي بسبب تناول الفواكه المجففة. ولكن يجب على الأشخاص الذين يعانون تحسساً تجاه الكبريتات، أن يتأكدوا من خلو أنواع الفواكه المجففة التي يشترونها من ثاني أوكسيد الكبريت. فهذا الأخير يضاف إلى بعض أنواع الفواكه المجففة للحفاظ على لونها ونكهتها. فهو يضاف مثلاً إلى الزبيب والدراق والتفاح والمشمش للحفاظ على لونها الذهبي الفاتح، ولكبح التفاعلات التي تؤدي إلى إكساب هذه الفواكه لوناً داكناً، وإلى تغيير في نكهتها. والمعروف أنّ ثاني أوكسيد الكبريت يُستخدم منذ مئات السنين لحفظ الطعام، وهو لا يشكل أي خطر على الأشخاص الأصحاء، لكنه قد يسبب الربو عندما يتنشقه أو يأكله أشخاص من ذوي الحساسية الزائدة. وتشير الدراسات الإحصائية إلى أنّ شخصاً واحداً من أصل كلّ 100 شخص يمكن أن يكون متحسساً تجاه الكبريتات، وأنّ 5% من المصابين بالربو قد يعانون ردود فعل مختلفة عند تناول أطعمة تحتوي على ثاني أوكسيد الكبريت. لذلك ينصح الأخصائيون كلّ من يعاني تحسساً أو حالات ربو بشراء الأنواع العضوية من الفواكه المجففة، أي تلك التي لا تحتوي على أي مواد مضافة أو حافظة.
وغني عن الذكر أنّه يتوجب الامتناع عن شراء الفواكه المجففة التي تنقع في مواد التحلية (الساكروز) قبل تجفيفها، فمن شأن ذلك أن يحولها إلى أطعمة ضارة ذات مستويات عالية جدّاً من السكر. كذلك لا يجب شراء تلك التي تغطى بالزيت المهدرج جزئياً أثناء عملية تجفيفها، فمن المعروف أنّ هذا النوع من الزيوت مضر بالصحّة.
وعلى الرغم من فوائد الفواكه المجففة، وسهولة حفظها ونقلها، إلّا أنّ هذا لا يعني أنّه يمكننا بكلّ بساطة تناولها عوضاً عن الفواكه الطازجة. إذ يجب إدخالها في نظامنا الغذائي إلى جانب الفواكه الطازجة، والانتباه إلى كمية ما نتناوله منها. فالفواكه المجففة تكون أكثر تركيزاً في السكريات في الوحدات الحرارية مقارنة بالطازجة.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق